عينك على الأحداث

(وليد دماج) وتجربة الجنون في اليمن

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

- الإعلانات -

د. مجيب الرحمن الوصابي

- الإعلانات -

يقتل حبيبته!….اسمها “ورد” غيرةَ أن يمسها أي مخلوق، بل يحرق جسدها، صانعا من رمادها كأسا يشرب منه حتى الموت، هذه مأساة شاعر عباسي اسمه “ديك الجن”!! … يبكي “وردَ” قصائد رقيقة تغنى بها العشاق، ومازالوا ينشدون مع أمّ كلثوم:

قــولي لطَــيـفِـكِ يَـنْـثَـنـي عـنْ مَـضْـجَـعِي عندَ المَنامْ
عند الرّقادْ عندَ الهُجُوع عـنـد الهُجُودْ عند الوَسَنْ
فــعـسـى أَنَـامُ فَـتَـنْـطَـفِـي نـارٌ تـأَجّـجُ فـي العِـظَـامْ
فـي الفُـؤادْ فـي الضُّلـوعْ فــي الكُـبـودْ فـي البَـدَنْ

هل جنون “ديك الجن” صنع إبداعه؛ أم أن إبداع ديك الجن صنع جنونه ؟! مجنون من يظن أن للإبداع علاقة بالجنون، ومجنون أكبر من يعتقد أن الجنون سببٌ للإبداع!!!
يمكن القول أن حيوية الإبداع قد تجاور، أو تصاحب أو ربما تتداخل أحيانا مع ما يُسمّى أو يصطلح عليه بالجنون.
لكن؛ أليس ما فعله “ديك الجن” مع “وردَ” ضرب من الجنون و”الفنون جنون” ؟!
فلماذا يصرّ أديبنا الراحل “وليد دماج” أن يعيش الجنون فعلا واقعيا قبل أن يتحول إلى نص روائي متنقلا بين المقابر والأزقة، ومقالب القمامة في العاصمة (صنعاء)؛ خالقا لنا عن تجربةٍ معاشة حقيقية هذه التحفة الروائية (هُم)1…. بعض الأفكار مجنونة!!!

حقيقةً معشر النقاد عندما يقسون على الأدباء الرواة نقول لهم :” شخصياتكم في الرواية ملوثة بكم وثقافتكم” …لكن التجريب عند “وليد دماج” ليس له حدود، فهو لا يروي شخوصه بل يعيشها! فكانت تبلغ به كل ذلك الاندماج والتماهي،… و”أعيش كل تلك العوالم فعلا!.. كل أبطالها فتارة أصير مارداً من الجن، وتارة أخرى أصبح فارسا من الإنس، تارة كهلا وتارة صبياً، شاباً، فتاة، خيرا، شريراً، شجاعاً، جبانا.”. ص51

كل من يعرف “وليد دماج” يدرك أنه مستغرق بشغف مفرط في حبك رواياته، و تلبسه شخصيات رواياته حتى في منامه،… أي شخصية تلبستك في منامك الأخير يا “وليد”؟؟! وهل الموت تجربة أخرى تخوضه! ؛ لترويه كما فعلت بتجربة الجنون التي عشتها مع (المجانين) في صنعاء عامين!! .. “الموت هذه الفكرة تنهبُني 178 ص” إنما “الطيبون دائما ما يغادرونا سريعا ” 198ص.

- الإعلانات -

حقيقة هذا ما وقفت عليه بنفسي عندما سكن حي(الممدارة) لأيام في(الشيخ عثمان) …فكلما حدثه عن أثرٍ فيها وفي تاريخه رأى عينيه تلمعان بفكرة وشخصية مسرحها (دار الزمر)2 (بستان الكمسري ) (قبور اليهود المبعثرة) (شجرة القبر الباكية ) وضريحي العثماني والهاشمي المُتهدّمَينِ !

تتميز رواية ( هُم ) بجملة من الإشكاليات التي تثيرها الرواية على كافة المستويات في بنية الرواية، وموضوعها وايماءاتها التداولية بل وحتى عتباتها.

يفتح لنا (الإهداء ) الذي قدمه وليد دماج لرواية (هُم) نافذة كبيرة للنص مارس فيه الكاتب بوحا منفلتا من سطوة الزمن؛ فهذه (العتبة) لا تدخل في نطاق الكماليات كما هو شأن كل الكتاب، بل هي وثيقة دالة يتضرر النص بل ويختل معناه فيما أرى حال غيابه، وليس غريبا أن يكون الإهداء لزمرة (المجانين )أحبابه ويسميهم احتراما “المفارقين” ملهميه في هذا العمل الروائي المتميز فيقول:”
إلى “المفارقين ” الذين يعيشون حياتهم كما يريدونها، لا كما
يريدها لهم الآخرون… إلى الذين عايشتهم وشاركتهم
شخبطاتهم على الجدران … وأحببتهم” ص7

أدعوكم لقراءة الرواية ربما فهمنا قصة (الجنون) وتاريخه في اليمن بوصفه ظاهرة ” فنصف البلاد مجانين” ص261… بعضنا يدخل بالوراثة في جيناته فيكون (مرشحا) أكثر من غيره دون مقدمات ” وكأنه قصفة رعد في سماء صافية” بعضنا بسبب “زوار آخر الليل ” ص57 ولعوامل أخرى تحللها الرواية بعمق وفلسفة … لنردد مع صفي الدين (ابن علوان) و(أيوب طارش) كالصوفي المجذوب أو (المجنون):

أَحبابنا بجيرون/ إِنّي بكم لمفتون/ باكي العيون محزون
مجنون غير مَجنون/ أَزعجت من بلادي/ كَأَنَّما فؤادي
نادى به المنادي/ للوصل وَهُوَ مَسجون

وللحديث بقية مع وليد دماج ورواية (هم) في قادم الأيام بإذن الله
هم من شردونا
هم من جعلونا مجانين
لكن من هم ؟ من هم؟؟! ص؟؟

(هوامش)
1/ وليد دماج رواية “هُم”، الصادرة عن دار أروقة للدراسات والترجمة والنشر 2016
2/ دار الزمر في الشيخ عثمان المكان الذي يعتقد بأن العثمانيين تركوا دفائنهم هناك.

- الإعلانات -

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.